وفقا إلى التقارير المنشورة والإحصائيات، فإن عدد الروبوتات الصناعية في العالم بلغ 3.4 مليون روبوت حتى عام 2024م، وأن هناك ما يقدّر من روبوت واحد لكل سبعة أفراد من البشر، وأن هذه الروبوتات استحوذت على ما يقرب من 14% من الوظائف في العالم التي كان يشغلها البشر، وكذلك تشير التقارير إلى أن 90% من المؤسسات التجارية بكل أنواعها تخطط في استعمال الروبوتات في تسيير أعمالها استنادا إلى إحصائيات نشرها موقع «Coolest-Gadgets» في دراسة بعنوان «Robots Statistics 2024 By Revenue, Usage and Companies». هنا نحتاج أن نشير إلى أن قطاع الروبوتات سابق للذكاء الاصطناعي، فكانت بداية ظهور الروبوتات بنمطها الميكانيكي -دون الاندماج الإلكتروني والبرمجي- عام 1495م في هيئة فارس مقاتل يستطيع القيام ببعض الحركات الميكانيكية من اختراع «ليوناردو دافنشي»، وابتكر «إدموند كارترايت» في عام 1785م آلة نسج ملابس تعمل بواسطة الطاقة المائية التي عدّت -في زمنها- نوعا من أنواع الروبوتات نظرا لمكانتها التي أحدثت نقلة نوعية في الصناعة. تؤكد لنا هذه التقديرات والتقارير أننا في موجة متصاعدة في التقدم العلمي الذي يخص «الروبوتات»، وأننا مع مستقبل تزدهر فيه الصناعة والأعمال بشكل عام، وفي الوقت نفسه ترتفع فيها معدلات البطالة عند البشر، وهذا يجعلنا أمام تحديات نحتاج فيها إلى حلول مرضية للجميع، فنضمن فيها التدفق السليم والمفيد للتقنيات بما فيها «الروبوتات»، وكذلك نضمن حق الإنسان في الحصول على العمل، وهذا ما يجعلنا نفكر في حلول أكثر تقدما تخص توجه التعليم وتخصصاته المناسبة للأجيال القادمة التي تحتاج إلى إعادة التموضع في سوق العمل. نحن بحاجة قبل كل شيء أن نفهم ما نقصد بالروبوتات من حيث آلية عملها القديمة والحديثة، ونفهم وظائفها الحالية في قطاع العمل والوظائف المستقبلية، ونحدد المخاطر المترتبة من زحف «الروبوتات» إلى عالم الأعمال والصناعة والحلول الممكنة.
ما هي الروبوتات وكيف تعمل؟
ثمّة علم يطلق عليه علوم «الروبوتات»، ويعتبر مجالا علميا يتصل بتخصصات أخرى، ويركّز على عمليات تصميم الروبوتات وصناعتها وتشغيلها، ومن الناحية الفنية، فإن «الروبوتات» آلات تؤدي مهامَ تقليدية تحاكي بواسطتها أعمالا يقوم بها البشر. كانت الروبوتات الأولى أنظمة ميكانيكية بسيطة مصممة للقيام بالمهام الصناعية المتكررة مثل عمليات الأتمتة في المصانع، وتشمل عمليات اللحام والتجميع والفرز.
كانت هذه الآلات في زمنها المبكّر محدودة في قدراتها، حيث كانت تخضع لقوانين الميكانيكا الثابتة دون القدرة الحقيقية على اتخاذ القرارات أو التكّيف مع البيئات المتغيرة، وكانت المكونات الأساسية لهذه الروبوتات في بداية عهدها تشمل المحركات التي تسمح لها بالحركة، وأجهزة استشعار تقدّم ردودَ فعلٍ بيئية أساسية، وهيكلا ميكانيكيا يتمثل غالبا في أذرع ميكانيكية قابلة للتحرك وفق حدود رياضية وزوايا محددة تناسب الوظيفة المنوطة إليها. أما نظم التحكم؛ فكانت بدائية وتعتمد في كثير من الأحيان على منطق فيزيائي ثابت لا يملك قدرة على التفاعل مع أيّ بيانات تخص البيئة الخارجية ومعالجتها، مما جعل وظائف هذه الآلات في حدود المهام المتكررة المنوطة بها، ولهذا لم تكن ملائمة للبيئات المعقّدة أو الديناميكية.
على مر السنين، تطوّر علم الروبوتات بشكل كبير، فأصبحت الروبوتات الحديثة تدمج بين تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الدقيقة وأجهزة الاستشعار المتطورة.
أتاحت هذه التطويرات للروبوتات التحوّل من الأتمتة البسيطة إلى التفاعل بشكل أكثر سلاسة مع بيئتها الخارجية واتخاذ قرارات سريعة وذكية؛ فنجد مثلا أن الروبوتات في وقتنا الحاضر مزوّدة بأنظمة مثل نظام الاستشعار عن بعد « LiDAR» والرادار والكاميرات المتطورة التي تمنحها قدرات إدراك دقيقة للبيئة الخارجية وظروفها المتغيّرة. يتيح ارتباط الروبوت بالذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة القدرة على التعلم من التجارب السابقة؛ لتحسين قدرتها على أداء المهام المعقّدة مثل التنقّل الذاتي والتفاعل بطريقة مشابهة للبشر. أضحت الروبوتات المستعملة في مجالات مثل الرعاية الصحية والزراعة واللوجستيات قادرة على أداء مهام صعبة مثل الجراحة، وجني المحاصيل، وإدارة المخازن بشكل مستقل دون الحاجة لتدخل الإنسان، ويعكس هذا مدى تقدم هذا المجال.
تعمل الروبوتات الحديثة ذات الأنظمة الرقمية الذكية على التفاعل مع أجهزة الاستشعار، ومعالجة البيانات المرسلة، والتنفيذ. تجمع أجهزة الاستشعار البيانات من البيئة، ثم تُعالج بواسطة خوارزميات تعتمد في كثير من الأحيان على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات المناسبة. تُترجم هذه القرارات إلى حركات فعلية عبر المحركات، مما يمكّن الروبوت من التحرّك أو معالجة المشكلات وفق ضوابطه الخوارزمية، ويمكن أن نقرّب الأذهان إلى مثال المكانس الكهربائية الذكية المزوّدة بأجهزة الاستشعار لاكتشاف العقبات والأوساخ؛ لتقوم بجمع بيانات البيئة المحيطة ومعالجتها لرسم خريطة للمكان، وتعديل مسارها استنادا إلى المتغيرات والبيانات المستجدة. كذلك في مثال آخر فإن الروبوتات المستعملة في المستودعات تقوم بجمع البيانات المتعلقة ببيئتها وتحدد عناصر تلك البيئة وأشياءها، ثم تقوم بنقلها إلى المواقع المخصصة بكفاءة عالية